مرفأ بيروت، ذكرى سنوية مأساوية نقشت مرارتها في قلوب كل اللبنانيين.
منذ ذلك اليوم وكل مواطن لبناني ينزف. منذ حدوث تلك الفاجعة والعالم أجمع متوقّف عند الساعة السادسة عصراً. هو انفجار هزّ مدينة بيروت وقضى على معظم بيوتها وأحيائها وسكانها. كان كل شيء طبيعي في حياة اللبنانيين حتى وصول خبر اندلاع حريق داخل مرفأ بيروت. حيث هبّ فوج الإطفاء وتوجّه إلى مكان الحريق لإطفائه. لم يكونوا يعلموا أنهم ذاهبين بلا عودة وأنّ هذه المهمة هي الأخيرة في مسيرة بطولاتهم وشجاعتهم التي لا تقدّر بثمن. انفجر العنبر رقم ١٢ في وجه أبطال فوج الإطفاء ومنذ تلك الدقيقة جميعنا لا نسمع سوى صدى الانفجار، بكاء الأطفال، صراخ الأهالي و صوت سيارات الإسعاف التي وقفت عاجزة أمام أعداد الجرحى والقتلى ولم تكن كافية كي تنقلهم إلى المستشفيات.
ما سبب انفجار مرفأ بيروت؟
حصل انفجار بيروت بسبب مادة كيميائية اسمها نيترات الأمونيوم التي كانت مخزّنة في العنبر رقم ١٢ منذ عام ٢٠١٣. في الأصل كانت هذه الموادّ في طريقها إلى الموزمبيق عن طريق سفينة روسية. ولكنّها وقفت في الأراضي اللبنانية وأفرغت حمولتها في المرفأ بعد الاختلاف حول رسوم التوقف في ميناء بيروت. لم يتم دفع الرسوم ولم تأخذ الحمولة إلى أي مكان الأمر الذي جعلها تبقى منذ عام ٢٠١٣ في العنابر اللبنانية. كانت الكمية ضخمة قدّرت ب٢٧٥٤ طن من نيترات الأمونيوم ولكن بفضل الله حسب التحقيقات لم ينفجر سوى خمس هذه الكمية الضخمة أثناء الانفجار.

. كان كل شيء طبيعي في حياة اللبنانيين حتى وصول خبر اندلاع حريق داخل مرفأ بيروت
كيف تسير التحقيقات ؟
كسائر القضايا في لبنان، جريمة بلا مجرم أو مجرم بلا محاسبة. بالرغم من الضرر الهائل الذي ضرب بيروت بسبب الانفجار. بالرغم من عدد الضحايا والجرحى والمشرّدين الذين خسروا بيوتهم. ومصادر رزقهم بسبب ما حدث وبالرغم من مرور سنتين كاملتين على هذه الفاجعة إلّا أنّ التحقيقات متوقّفة. لم تستطع الدولة اللبنانية بقيادة حكامها من الوصول إلى نتائج تبيّن من الفاعل وتأخذ حق كل لبناني عاش هذه المأساة وخسر أحد أحبابه فيها.
خسائر انفجار مرفأ بيروت:
لم يعد تاريخ ٤ آب من كل عام تاريخ عابر كسائر الأيام التي تمرّ على اللبنانيين خاصةً والعالم أجمع عامةً. بل أصبح تاريخ ذكرى أليمة لا يستطيع الوقت مهما مرّ أن يجعلنا نتخطاها وننسى مرّها. في ٤ آب ٢٠٢٠ وتحديداً الساعة السادسة وبضع دقائق انفجر العنبر رقم . ١٢ و كان هذا الانفجار أشبه بـ الفاجعة والكارثة التي لا يمكن لأي إنسان أن يستوعبها. نتج عن هذا الانفجار أكثر من ٢٣٢ قتيل و ٧٠٠٠ جريح من مختلف الجنسيات والفئات العمرية. ١٥٠ إنسان أصبحوا مصابين بإعاقة دائمة و حوالي ٣٠٠ ألف مشرّد. ساهمت بعض الجمعيات اللبنانية في مساعدة المتضرّريت بتنظيف بيوتهم وتأمين بعض الأساسيات من زجاج المنازل و طعام ومأوى وطبابة ولكنّ الأعداد هائلة ولو تصلّح الجماد أرواح الناس لا يداويها سوى محاسبة الفاعل وإظهار الحقائق التي يمكن أن تعوّضها بنسبة ضئيلة عن خسارة ذويهم .
مع حلول الذكرى السنوية الثانية لانفجار المرفأ و بالرغم من أنّه لا يوجد أي كلام أو فعل يمكن أن يعزّي اللبنانيين عامةً وأهالي الراحلين خاصةً. إلّا أننا نتقدّم بأحر التعازي وأصدق المواساة لكل عائلة خسرت عزيز على قلبها، لكل مائدة افتقدت إلى اجتماع أفرادها، لكل مغترب شعر بلوعة الخوف على أهله حينها، آملين أن يطيّب الله جروحكم بلقاء أحبابكم في جنات النعيم.

لم يتم دفع الرسوم ولم تأخذ الحمولة إلى أي مكان الأمر الذي جعلها تبقى منذ عام ٢٠١٣ في العنابر اللبنانية.
انهيار صوامع من إهراءات القمح:
في تاريخ ٣١/٧/٢٠٢٢ تحديداً في تمام الساعة الرابعة و ٥٨ دقيقة. وقعت اثنتين من صوامع إهراءات القمح الموجودة في مرفأ طرابلس. ما حدث كان متوقّعاً بعد الحريق الذي نشب منذ أسبوعين في أحد الإهراءات المهترئة الباقية من انفجار بيروت الذي مرّ على حدوثه سنتين و يصادف تاريخ اليوم الخميس الرابع من آب هو الذكرى السنوية الثانية على انفجار مرفأ بيروت.
سبب وجود إهراءات في مرفأ بيروت:
مثل أي دولة أخرى يقوم لبنان باستيراد القمح من دول مجاورة لتأمين حاجاته من القمح والحبوب. تتم عملية الاستيراد عن طريق البحر بواسطة سفن كبيرة تضع حمولتها في مرفأ بيروت. من أجل تسهيل عملية الاستيراد داخل المرفأ و من أجل الحفاظ على كمية القمح الكبيرة الموجودة تمّ إنشاء هذه الإهراءات التي تقوم بتخزين القمح بداخلها وتحتوي على إحتياطي لبنان من القمح.
إهراءات القمح قديماً في مرفأ بيروت:
تعتبر عادة تخزين القمح في لبنان وتحديداً في مرفأ بيروت. هي عادة قديمة وتقليدية تعود للعام ١٩٤٨ حيث كان يتم تخزين القمح والحبوب داخل مخازن مصنوعة من الخشب والبلاستيك. كانت هذه المخازن تفي بغرض التخزين ولكنّها كانت تعرّض القمح والحبوب للفساد بسبب الحشرات التي كانت تستطيع الدخول إلى قلب الحبوب وكانت تتلفها. كما أنّ هذه المخازن لم تكن قادرة على تحمّل نسبة الرطوبة المرتفعة بسبب قربها من البحر.
تاريخ إهراءات القمح الموجودة اليوم:
هي إهراءات ذات هياكل ضخمة متينة البناء لتفادي المشاكل التي كانت تعاني منها الحبوب والقمح والمواد المخزّنة في المخازن البلاستيكية والمخازن الخشبية. بنيت هذه الإهراءات بطريقة دقيقة باستخدام الأساسات والقواعد المدعّمة بالحديد والإسمنت المسلّح المعروف بصلابته وقوة تحمّله. قامت بتنفيذ بناء هذه الإهراءات شركة أجنبية من خارج لبنان. تحديداً هي شركة تشيكية توّلت هذه المهمة بمساعدة وإشراف لبنانيين شاركوا بعملية التخطيط للبناء والهندسة وأمور أخرى.

لم يعد تاريخ ٤ آب من كل عام تاريخ عابر كسائر الأيام التي تمرّ على اللبنانيين
تمويل عملية بناء الإهراءات:
بالرغم من الجهد الكبير الذي قامت به الشركة التشيكية و الأيدي اللبنانية. من أجل تنفيذ هذا المشروع إلّا أنّ الدور الكبير في نجاح هذا البناء يعود لدولة الكويت التي موّلت المشروع. وكانت عامل مهم في وجود الإهراءات هذه. بعد أن قرّرت الدولة اللبنانية برئاسة شارل حلو في ستينات القرن الماضي تحديداً في عام ١٩٦٥ إنشاء هذه الخزائن في مرفأ بيروت، قدّمت دولة الكويت هبة مالية مقدّمة شخصيّاً من أمير الكويت رحمه الله تعالى الشيخ صباح السالم الصباح الذي حكم دولة الكويت حتى عام ١٩٧٧.
سعة إهراءات مرفأ بيروت:
كما سبق وذكرنا أنّ هذه الإهراءات هي ذات هياكل ضخمة بنيت بصلابة ومتانة عالية كي تستطيع تخزين واحتواء أكبر كمية و وزن ممكن من قمح وحبوب ومواد أخرى مستوردة. تتميّز هذه الإهراءات بقدرة اتساع ضخمة تجعلها قادرة على تخزين حوالي ١٢٠ ألف طن من القمح والحبوب. تتألّف الإهراءات من ٤٨ مخزناً كبيراً و ٥٠ مخزناً صغيراً حيث يمكن تخزين ٢٥٠٠ طن في المخزن الكبير و ٦٠٠ طن من القمح والحبوب في المخزن الصغير. كما يوجد بالإضافة إلى أماكن التخزين أروقة مدعّمة بالاسمنت أنشئت لحماية الموظفين خلال الحرب الأهلية في عام ١٩٧٥ خوفاً من وصول القذائف والرصاص إليهم.