حمّام الشيخ، تجربة فريدة من نوعها
,حمّام الشيخ
تملأ المدن اللبنانية الكثير من المعالم الأثرية التي تعود للعصور القديمة من مساجد، خانات، كنائس، أسواق، قلاع وحمّامات أيضاً. تعتبر الحمّامات واحدة من أهم الأماكن التاريخية التي ما زالت إلى يومنا تزيّن المناطق الشعبية وتحيي أثر العهود الرومانية العريقة. لم تعد كل الحمّامات الموجودة تفتح أبوابها للعمل وتقديم الخدمات للناس بل أصبحت معظمها حمّامات أثرية للزيارة والاستكشاف فقط. حتى يومنا هذا لا يوجد سوى ثلاثة حمّامات تعمل في لبنان. يوجد الحمّام الأول في طرابلس شمال لبنان، الحمّام الثاني في بيروت عاصمة لبنان والحمّام الثالث والأخير هو حمّام الشيخ في صيدا. حمّام الشيخ هو الحمّام الوحيد بين خمسة حمّامات موجودة في صيدا أغلق بعضها و تهدّم أحدها والبعض الآخر في قيد الترميم.

إنّه حمّام قديم يعود بناؤه للقرن السادس عشر.
سبب نشأة الحمّامات التركية:
منذ القدم وخاصة في العهد العثماني والمملوكي حكم المسلمون مختلف المدن اللبنانية. بنى المسلمون الكثير من الحمّامات في كل مدينة حكموها. في الإسلام توجد عادة الوضوء والتطهّر قبل الصلاة لذلك عمدوا إلى إنشاء حمّام إلى جانب كل مسجد كي يستطيع الناس الوضوء في الحمّام والاستحمام قبل الدخول إلى المسجد بنظافة وطهارة تامّة. بالإضافة إلى أنّ البيوت قديماً لم تكن مجهّزة بوجود غرفة الحمّام التي نعرفها ونستخدمها في يومنا هذا. لذلك كان سكان المدينة يقصدون الحمّام للاستحمام في الأوقات المحدّدة للرجال والنساء.
تاريخ حمّام الشيخ:
إنّه حمّام قديم يعود بناؤه للقرن السادس عشر. يعتبر حمّام الشيخ من أصغر الحمّامات الموجودة في صيدا ويقال أنّه كان ملك لعائلة ثرية قديمة الأمر الذي يفسّر صغر حجمه. صنع الحمّام من الحجر الرملي من الخارج والحجارة المغطّاة بالكلس الأبيض من الداخل لحفظ الحرارة أثناء الاستحمام.

صنع الحمّام من الحجر الرملي من الخارج والحجارة المغطّاة بالكلس الأبيض من الداخل لحفظ الحرارة أثناء الاستحمام.
تقسيم الحمّام:
يتمّ الدخول إلى الحمّام عن طريق ممرّ ضيّق تأخذ الداخلين إلى القاعة الكبرى الخارجية أي قاعة الاستقبال والانتظار. تتوسّط القاعة قبّة كبيرة مزيّنة بطابات و شبابيك زجاجية ملوّنة. ترتكز القبّة على أقواس من العقد الحجري لتظلّل القاعة. تدلّى من سقف القاعة ثريا نحاسية والخرز الملوّن صنعت في الشام. نجد في قاعة الاستقبال بركة مياه في وسط أرضية القاعة المصنوعة من الرخام والصخر. تزيّن القاعة الجلسات العربية التي يجلس عليها المستحمّين لابسين القبقاب الخشبي المشهور في الحمّامات.
تتمّ عملية الاستحمام في ثلاث غرف داخلية لكل منها قبّة في أعلاها. الغرفة الأولى هي غرفة الوسطاني أو الغرفة الباردة لتغيير الملابس. الغرفة الثانية هي غرفة الجوّاني أو الغرفة الساخنة التي يتمدّد فيها الزائر ويجلس على البلاط الساخن حيث تصل الحرارة فيها إلى السبعين درجة. وآخر قاعة تضمّ ست غرف صغيرة في كل منها جرن حجر تتمّ فيها عملية الاستحمام عن طريق التكييس أي فرك الجسم بكيس أو كف قديم مع تدليك الجسم لمدّة من الوقت.
الإقبال على زيارة الحمّام:
لم يعد الإقبال على زيارة حمّام الشيخ في صيدا بهدف النظافة بل أصبح بهدف التسلية و عيش هذه التجربة الفريدة من نوعها. أكثر من يقصد الحمّام هم الشباب الذين يأتون كمجموعات شبابية للاستحمام وقضاء الوقت مع بعضهم داخل الحمّام. لا تقتصر هذه التجربة على الاستحمام فقط بل يقدّم حمّام الشيخ نوع من العشاء التقليدي للزوّار الفول والمناقيش وغيرها من الأطعمة في قاعة الانتظار. بالإضافة إلى تقديم المشروبات والأراجيل للراغبين أثناء استمتاعهم بخرير المياه وتحدّهم مع أصدقائهم. يحظى حمّام الشيخ أيضاً بزيارة طلّاب الجامعات عامّة وطلّاب فرع التاريخ والآثار خاصّة الذين يأتون لتصوير الحمّام وقيام مشاريع وأبحاث علمية عن حجارته وعمارته.

ورث خليل الحلبي حمّام الشيخ من أجداده منذ القدم.
ملكية حمّام الشيخ:
ورث خليل الحلبي حمّام الشيخ من أجداده منذ القدم. يعتبر خليل أنّ حمّام الشيخ هو إرث ثمين بقي له من عائلته لذلك يقوم بالمحافظة عليه بكل الطرق من خلال ترميم وصيانة كل أمر يحتاج إلى ذلك.
بالرغم من انتشار الحمّامات الحديثة. والتي تعتمد على أساليب متطوّرة إلّا أنّ عملية الاستحمام في حمّام الشيخ تبقى مختلفة ومتقنة بشكل احترافي يدوي. إنّها تجربة مفيدة للجسم والنفس في الوقت عينه بأسعار رمزية نسبة للأسعار المرتفعة التي يتطلّبها الدخول للمنتجعات والمراكز الحديثة. لذلك على كل لبناني وسائح القدوم إلى صيدا زيارة معالمها الطبيعية الأثرية. والتوجّه إلى حمّام الشيخ لعيش أجمل التجارب الشعبية التراثية.