حمّام العبد، ثروة من ثروات طرابلس!

تتّسم طرابلس عاصمة الشمال بوجود الكثير من المعالم التراثية الخفيّة. تعطي هذه الأماكن القديمة طابع أثري يغني هذه المدينة ويميّزها عن غيرها من المدن اللبنانية. خلف كل حجر من جدران طرابلس، خلف كل حي قديم من أحياء طرابلس الشعبية قصص تاريخية ورثناها عن آبائنا وأجدادنا. في ظلّ وجود الكثير من الخانات، المساجد القديمة، القلاع والحمامات الأثرية نستطيع القول أنّ حمّام العبد هو الحمّام الوحيد الذي مازال في الخدمة دون توقف منذ بداية نشأته حتى يومنا هذا.

 

تاريخ حمّام العبد:

بني حمّام  العبد في عام ١٧٠٨. بني في عهد المماليك. سمّي حمام العبد بهذا الاسم بسبب حدوث قصة قديمًا. حيث قام أحد الباشوات الأغنياء بجريمة قتل. شهد و رأى هذه الجريمة عبد أفريقي كان يعمل لدى الباشا. هرب هذا العبد و اختبأ في الحمّام خوفًا من أن يتم قتله أيضًا و هذا ما حدث. لاحق الباشا و رجاله العبد و أردوه قتيلًا على عتبة الحمّام ممّا جعل الناس يلقون اللّقب عليه بحمّام العبد نسبة لهذا العبد الأفريقي الذي قتل.

موقع حمّام العبد :

يقع حمّام العبد في سوق الصّاغة في طرابلس شمال لبنان. يوجد بالقرب منه خان الصابون، أحد أجمل الخانات و أغناها تراثيًّا.

حمام العبد

بني حمّام العبد في عام ١٧٠٨. بني في عهد المماليك.

هندسة حمام العبد و تقسيمه :

إنّ حمّام العبد هو من أهم الحمّامات التي بناها المماليك قديمًا. فقد تم إنشاء إحدى عشر حمّامًا في عهد المماليك. تعرّض بعض هذه الحمّامات للإزالة كحمّام النزهة الذي جرف خلال طوفان نهر أبو علي عام ١٩٥٦، وحمّام القاضي الذي هدم قديمًا. تحوّل القسم الآخر للحمّامات إلى أماكن سياحية للزيارة بدون وجود خدمة الاستحمام فيها. لذلك تفرّد حمّام العبد بخدمته التي لا زالت سارية منذ أن تمّ إنشاؤه على يد المماليك حتى اليوم.

يتألّف الحمّام من ثلاثة أقسام مختلفة، لكل قسم دور مختلف. تلقّب هذه الاقسام باسم : البرّاني، الوسطاني و الجوّاني. هي ألقاب باللهجة الطرابلسية الشعبية التي ترمز إلى مدى عمق الغرفة أي الغرفة البرّاني تعني الغرفة الخارجية، غرفة الوسطاني تعني الغرفة الوسط أمّا غرفة الجوّاني فهي تعني الغرفة الداخلية.

عند مدخل حمّام العبد يمكن للزائر أن يتصوّر مدى روعة الاستحمام الذي يقام في الحمّام من خلال الروائح العطرة التي تفوح في أرجائه و خارجه أيضًا لشدّة جمالها. نرى عند مدخله لوحة دوّن عليها اسم الحمّام و تاريخه. عند الدخول إلى القاعة الأولى للحمّام الملقّبة بالغرفة البرّانية.

حمام العبد

يقع حمّام العبد في سوق الصّاغة في طرابلس شمال لبنان

يمكننا أن نرى غرفة واسعة تتوسّطها بركة مياه في وسطها. إنها غرفة ذات سقف عالٍ مدوّر يبلغ علوّه نحو ثمانية أمتار و أكثر . تزيّن السقف قبّة ذات زجاج ملوّن. يعكس الزجاج ألوانه الزاهية إلى داخل الغرفة عند دخول أشعة الشمس. تتألف غرفة البرّانية من مقاعد طويلة موجودة في زواياها. إن هذه المقاعد هي مقاعد مفروشة بالأقمشة و الوسائد ليستطيع الناس الجلوس عليها براحة.

معلومات أكثر عن الحمام:

يتمثّل دور هذه الغرفة بالسّماح للمستحمين الذين أنهوا عملية الاستحمام إلى الجلوس على مقاعدها و الاستمتاع بشرب مختلف المشروبات كالشاي والقهوة مستخدمين صدر نحاسي تراثي قديم لتقديمها للزائرين. لا تقتصر الضيافة على المشروبات فقط بل يتم تقديم النارجيلة أيضًا. يجتمع المستحمين في غرفة البرّاني مع بعضهم و يستمتعون بعد عملية الاستحمام. من بعد غرفة البرّاني تأتي غرفة الوسطاني ذات الحرارة المعتدلة. إنّها غرفة صغيرة الحجم يجلس فيها المستحم بعد الخروج من غرفة الجوّاني ذات الحرارة الشديدة كي تعتدل حرارة جسمه و لا يصاب بالبرد.

تأتي غرفة الجوّاني كأهم غرفة في حمّام العبد، لأنها الغرفة التي يتم فيها الاستحمام. تتميّز الغرفة بالحرارة العالية، يتم تسخين المياه عن طريق المازوت أي بطريقة تختلف عن السابق حيث كان يتم تسخين المياه في وعاء نحاسي كبير ” المرجل”، يوضع فيه حوالي ١٥ برميلًا من المياه. يتم فرك جسد المستحمين بواسطة كف مصنوع من شعر الماعز الخشن، يعمل هذا الكف على تطهير الجسد من جميع الأوساخ والجلد الميّت. يستخدم الصابون البلدي بمختلف النكهات كالعسل و الورد و الغار و يعود اختيار النكهة و الرائحة للمستحم.

حمام العبد

عند مدخل حمّام العبد يمكن للزائر أن يتصوّر مدى روعة الاستحمام الذي يقام في الحمّام

بعد أن يتم فرك جسم المستحم بالكف والصابون البلدي ينتقل إلى غرفة التدليك والمساج حيث يحصل على وقت محدّد لهذه الخدمة قبل الذهاب إلى غرفة الوسطاني لتعديل حرارة الجسد.

باختصار تتمّ عملية الاستحمام هذه من خلال لبس القبقاب الخشبي والدخول بداية إلى غرفة الجواني للاستحمام. من بعدها إلى غرفة الوسطاني وأخيراً إلى غرفة البراني حيث يلبس المستحم المنشفة ويجلس للاستمتاع وتناول المشروبات.

زيارة حمّام العبد:

 لا يعتبر حمام العبد حكراً على الرجال فقط. بالرغم من أن أغلب أوقات خدمته تناسب الرجال أكثر ولكن يوجد وقت بسيط مخصص للنساء أيضاً.

يحظى حمّام العبد بزيارة الكثير من الناس والرجال الطرابلسيين الذين يجدون في هذا الحمّام راحة ومتعة تتميّز بكيفيتها عن طريقة الاستحمام في منازلهم. هذا بالإضافة إلى انتشار عادة الشباب قبل الزواج وإقامة الأعراس. حيث يأتي العريس مع أصدقائه يسحمّون ويقضون الوقت مع بعضهم في غرفة البراني بوجود عراضة شعبية، أغاني، النراجيل والمشروبات الساخنة والباردة أيضاً.

لا نستطيع تجاهل زيارة السائحين الذين يأتون من مختلف البلاد لعيش هذه التجربة الفريدة من نوعها والتعرف إلى المكان الأثري هذا والاستمتاع في أرجائه.