سينما طرابلس ، تاريخ ثقافي لا يُنسى !

سينما طرابلس 

اشتهرت طرابلس، مدينة العلم والعلماء بالتطور العلمي والثقافي منذ بداية تأسيسها. بالإضافة إلى وجود الأماكن الأثرية التاريخية التي تملأ شوارع طرابلس وتزّين مناطقها. كانت طرابلس منبع للثقافة والفن والمسرح حيث نشأ فيها أول معهد فني في لبنان. يدلّ على ذلك وجود العديد من الأماكن التي تهدف إلى نشر الثقافة، الفن والموسيقى في أنحاء لبنان عامةً وطرابلس خاصةً. تميّزت طرابلس منذ القدم بوجود عدد كبير من صالات السينما في مختلف مناطقها الشعبية. شهدت هذه الصالات على الكثير من الحقبات والحروب التي غيّرت مسارها وحرمت أبناء طرابلس من الدخول إليها.

مواقع دور سينما طرابلس:

نشأت في طرابلس في ثلاثينيات القرن الماضي مئات الصالات. تمركز العدد الأكبر منها في وسط المدينة الذّي ضمّ أكثر من أربعين دار للسينما. فيما توزّعت باقي الصالات على مختلف المناطق الشعبية في طرابلس. نجد في منطقة باب الرمل صالتان وفي باب التبانة أربع صالات فيما نشأت في الميناء سبع صالات سينمائية. لذلك يمكننا القول أن جميع مناطق طرابلس كانت تضجّ بصالات السينما قديماً.

أقدم صالة سينما في طرابلس:

اعتُبرت صالة “أمبير” أول صالة لعرض الأفلام في طرابلس. بنيت هذه الصالة في ثلاثينات القرن الماضي ولكنها أقفلت في عام ١٩٨٠ بسبب الحروب. إنها صالة كبيرة مجهّزة بالإضاءة المناسبة وفيها كراسي إيطالية. عمدت جمعية تيرو للفنون ومسرح إسطنبولي ورشة لإعادة تأهيل سينما أمبير لتعود الصالة إلى نشاطها وتصبح منصة ثقافية مستقلة ومجانية. تسعى هذه الجمعية إلى إقامة ورشات تدريبية مهرجانات وعروض فنية لتشجيع محبّي الثقافة والفن على إكمال هذه المسيرة وإعادة النشاط الثقافي الفني في المدينة.

"<yoastmark

بعض الصالات الأخرى:

انتشرت الكثير من الصالات السينمائية في مختلف المناطق الطرابلسية. حيث نشأت صالة “الركس” بالقرب من السراي القديمة. كما بنيت صالة “النجمة”، صالة “الكواكب”، صالة “الأمير” وصالة “سميرا ميس” في ساحة النجمة. في ساحة الحدادين وجدت سينما “الشرق”. تخصّصت هذه الصالات بعرض الأفلام العربية والمصرية بالإضافة إلى الأفلام الأجنبية.

طريقة الترويج للأفلام:

لم يكن هناك طريقة محدّدة للترويج للأفلام في طرابلس. كل صالة كانت تتفنّن في ابتكار طريقة فريدة من نوعها. عمد بعض الصالات إلى تعيين بعض الأطفال الذين تمثّل دورهم في السير في أنحاء المدينة حاملين صور مطبوعة من الفيلم الذي سيتم عرضه. يرى السكان الصور مع الأطفال ويذهبون لقطع التذاكر. فيما اعتمد القسم الآخر من الصالات الترويج للأفلام عن طريق بائع الجرائد الذي يتمتّع بلسان جميل. يقوم بائع الجرائد بإقناع الزبائن بالفيلم الجديد. أمّا القسم الآخر من الصالات كان يروّج لأفلامه عن طريق ماسح الأحذية الذي كان يجوب الشوارع مع إصدار صوت بالجري الذي يحمله ذاكراً اسم الفيلم الجديد الذي سيتم عرضه.

"<yoastmark

أوقات وأسعار تذاكر الأفلام:

كانت الأفلام تعرض في ثلاثة أوقات محدّدة. الوقت الأول لعرض الأفلام يكون الساعة الثالثة، العرض الثاني في الساعة السادسة والعرض الأخير في الساعة التاسعة مساءً. أما في أيام الأحد التي تعتبر أيام عطلة كان العرض فيها من أول نهار الأحد إلى آخره.

لم تكن الأسعار باهظة الثمن كأيامنا هذه. حيث كانت الأسعار رمزية نسبة إلى أيامنا. يبدأ سعر التذكرة من ثلاثة قروش لا يتجاوز سعرها قيمة الليرة ونصف كأعلى قيمة. تقسّم الأماكن والكراسي في السينما حسب سعر التذكرة فيحبّ البعض الجلوس في البلكون الذي يحتاج إلى تذكرة أغلى من غيره.

"<yoastmark

زيارة الممثلين والفنانين لدور السينما:

زار العديد من الممثلين والفنانين دور السينما في مدينة طرابلس. حيث حضر هؤلاء أول عرض لأفلامهم التي كانت تعرض أول بأول في دور السينما الطرابلسية. جاءت الفنان صباح الشحرورة طرابلس لحضور عرض فيلمها “القلب له واحد”. في عام ١٩٤٥ جابت أحياء طرابلس مظاهرة للاحتفال بوصول الشحرورة. عرض الفيلم في صالة “دنيا” أمام ساعة التلّ.

تخصّص بعض الدور بأفلام معينة:

كانت تعرف بعض الدور السينمائية بعرض نوع معين من الأفلام. فاشتهرت سينما “الأمير” بعرض أفلام الكاراتيه. فيما اشتهرت صالة “ريفولي” بعرض الأفلام الهندية. أما الأفلام الأميركية الأوروبية كانت من حصّة كل من سينما “بالاس” “أوبرا” و”كليوباترا”. كانت سينما “روكسي” و “كابيتول” خاصة لعرض الاحتفالات الحزبية.

مستقبل دور السينما الطرابلسية:

بعد أحداث الحرب الأهلية التي ضربت لبنان أغلقت العديد من الصالات السينمائية في طرابلس. هدّم بعض الصالات أيضاً نتيجة الدمار. قلّت نسبة المقبلين على دور السينما فقد كان الناس أغلب الوقت في بيوتهم خشية حدوث المشاكل والاشتباكات في الشوارع. لم تعد الصالات تفتح أبوابها بل تلخّصت جميع الصالات التي كانت موجودة قديماً في صالة واحدة التي تمثّلت بصالة  “السيتي كومبلكس” التي أصبحت مقصد الشباب الذين يريدون مشاهدة الأفلام الحديثة مع أصدقائهم. لم تعد تلك الأخرى ذات حركة اقتصادية عالية لأن معظم الشباب أصبحوا يشاهدون الأفلام عن طريق المنصات الموجودة على  المواقع الإلكترونية من بيوتهم دون الاضطرار إلى الذهاب إلى الصالات.