مسجد المنصوري الكبير, أهم المعالم الأثرية في لبنان
:مسجد المنصوري الكبير
تعدّ طرابلس الفيحاء منبع للآثار والمعالم التراثية القديمة. إنّ مدينة طرابلس هي الثانية بعد القاهرة بوجود الآثار التي تعود إلى عهد المماليك. تحتوي طرابلس على الكثير من الأماكن
الأثرية كالخانات، القلاع، الحمامات، المدارس الدينية، الأسواق والمساجد القديمة. تعطي هذه الأماكن طابع تراثي عريق لطرابلس وتعزّز قيمتها واختلافها عن باقي المدن اللبنانية. إنّ الجامع المنصوري الكبير هو أحد هذه المعالم الأقدم والأغنى في طرابلس.
تاريخ مسجد المنصوري الكبير:
في عام ١٢٨٩ فتحت طرابلس على يد المماليك تحديداً على يد المنصور قلاوون الذي حرّر طرابلس من الصليبيين. بنى المماليك حوالي ١٤ مسجداً في طرابلس ويعدّ المسجد المنصوري الكبير هو أقدم وأكبر المساجد التي بنيت في عهد المماليك والتي ما زالت شامخة إلى يومنا هذا. لقد بني هذا المسجد على دفعات. حيث بنى السلطان الأشرف صلاح الدين خليل مسجد المنصوري الكبير في عام ١٢٩٤ وقد نقش هذا التاريخ فوق باب المسجد من الناحية الشمالية. من بعد عشرين سنة أي في عام ١٣١٥ أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون ببناء الأروقة الداخلية التي تحيط بالفناء الخارجي وقد نقش هذا التاريخ أيضاً على جدار الرواق الشرقي في المسجد. في عام ١٣٢٦ عمد الأمير قرطاي بن عبد الله إلى إعادة بناء منبر المسجد معتبراً أنه لا يتناسب مع ضخامة المسجد. في عام ١٤٧٩ قام كافل المملكة الطرابلسية الأشرفي بترخيم المحراب الموجود في المسجد، دوّن هذا التاريخ على لوحة موجودة فوق المحراب.
موقع المسجد الجغرافي:
يقع المسجد في محلّة النوري في طرابلس شمال لبنان. يجمع موقع المسجد ثلاثة أحياء شعبية تتمثّل بسوق العطّارين، سوق الصّاغة للذهب وحي الطواقي. تتوزّع بالقرب من المسجد الكثير من المدارس الدينية والعلمية أيضاً كمدرسة “الشمسية” ، “المشهد، “خيرية حسن”، “الناصرية”، “النورية”، “القرطاوية”و “الخاتونية”. نلاحظ أن جميع الأمور المحيطة بالمسجد هي مدارس وأحياء شعبية لا تصدر الضجة والإزعاج على المصلين. فقد احترموا خاصية المسجد وحافظوا على راحة المصلين حيث تهب روائح سوق العطارين وخان الصابون الجميلة على المصلين وتشعرهم بالطابع الشعبي للمدينة.

تعدّ طرابلس الفيحاء منبع للآثار والمعالم التراثية القديمة.
هندسة المسجد المنصوري الكبير وتقسيمه:
تبلغ مساحة المسجد الكبير حوالي ٥٠٠٠ متر مربّع. تنقسم إلى مساحة داخلية التي تبلغ ١٦٣٠ متر مربّع. يتميّز المسجد بالهندسة المملوكية ويحتوي على آثار العديد من الحقبات الزمنية. يتألّف المسجد من قسمين. قسم داخلي وهو الحرم الداخلي للصلاة. القسم الخارجي المتمثّل بالساحات الكبيرة الخارجية.
للمسجد المنصوري أربعة مداخل تؤدي جميعها إلى داخل المسجد. يمثّل الباب الرئيسي من الجهة الشمالية المدخل الأكبر والذي تزيّنه أقواس مزخرفة بشكل رائع. تعتبر عمارة المسجد عمارة بسيطة لأنها تعود إلى بداية عهد المماليك ولكنّها طبعاً لا تخلو من الروائع.
يتميّز المسجد بمئذنته الكبيرة. هي برج مئذنة مربّعة تشبه بهندستها الصوامع المغربية فقد استعان المماليك بالمهندسين المغربيين عند بناء المساجد في طرابلس. كانت المئذنة تنقسم إلى طابقين قديماً قبل أن يضاف إليها الطابق الثالث في ستينيات القرن الماضي. تم رفع المئذنة إلى الأعلى ليصل الصوت إلى الناس بشكل أوضح. تزيّن الطوابق الثلاثة مجموعة من الأقواس التي ترتكز على أعمدة رخام مصنوعة على الطراز الصليبي. كان للمؤذنين عادة ألا وهي صعود نحو ١٢ مؤذناً وقول الأذان ككورس مع بعضهم لإيصال الأذان إلى أرجاء المدينة.

يقع المسجد في محلّة النوري في طرابلس شمال لبنان.
معلومات أكثر عن المسجد:
يوجد في المسجد مجموعة أروقة حجرية مرتكزة على عضلات ضخمة مربعة القواعد. تظهر على الأروقة قناطر مثلثة الرؤوس أُمر بإنشائها عام ٧١٥ هجري. في وسط الباحات يوجد مكان للوضوء وبركة من الرخام الأبيض بالإضافة إلى نافورة مياه من ثلاث طبقات. بالقرب من مكان الوضوء يوحد مصلّى صغير للصلاة فيه صيفاً. تغطّي المصلّى ومكان الوضوء قبة مصنوعة من الحجر الرملي. يمكننا ملاحظة وجود ساعتين مختلفتين في المسج. ساعة شمسية لتحديد الوقت في فصل الصيف و ساعة مزولة لتحديد مواعيد الصلاة في وقت الظهر والعصر.
عند المدخل الغربي يوجد برج دفاعي لحماية المسجد قديماً أمّا عند المدخل الشرقي نرى عقد حجري بيزنطي عند المدرسة القرطاوية.

بنى السلطان الأشرف صلاح الدين خليل مسجد المنصوري الكبير في عام ١٢٩٤
كان المسلمين يتبادلون قديماً خشب الأرز و يستوردون من مصر الأعمدة ويدلّ على ذلك وجود عمودين من الغرانيت من العصر الفينيقي في ساحة المسجد.
يتألّف الحرم الداخلي من سبعة عقود وسبعة أبواب كبيرة. يقوم المحراب في وسط الجدار القبلي. يوجد فوق المحراب دائرة كبيرة على شكل وردة يتوسطها لفظ الجلالة “الله”. على يمين المحراب نرى المنبر الرائع الذي يبلغ طوله ثلاثة أمتار وعرضه متر واحد. إنه منبر مصنوع من الخشب بدون أي مسمار. تزيّنه النقوش التي ترمز إلى تاريخ صنعه العريق على يد النجار محمد المصري.
من الجهة الشرقية يوجد محراب آخر فوقه قوس باللون الأبيض والأسود منقوش عليه أربعة أسطر من الخط النسخي المملوكي.
يميّز الجامع الكبير وجود غرفة الأثر النبوي الشريف التي تحتوي على شعرة من لحية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في علبة من الذهب الخالص.
تم ترميم المسجد مرتين. في عام ٢٠٠٣ وبين عام ٢٠٠٧ و٢٠٠٩ على يد جمعية الحريري حيث استغرق الترميم نحو ٨٧١ يوم وكلّفت عملية الترميم هذه حوالي أربعة ملايين دولار.