مسجد بركة السمك المقدّس، ثروة سمكية فريدة من نوعها

:مسجد بركة السمك المقدّس

سبق وأن تحدّثنا وذكرنا الكثير من المساجد الطرابلسية التي تقع في قلب أحياء طرابلس الشعبية وتميّزها بتفاصيلها الأخاذة ومعماريتها الرائعة القديمة. بفضل حكم الكثير من العهود في طرابلس باتت المدينة مليئة بالمعالم والأماكن التاريخية التي بقيت إرثاً ثميناً من مختلف هذه العهود. لم يقتصر وجود المساجد القديمة في وسط طرابلس فقط بل توزّع إلى ضواحيها أيضاً ليصل إلى منطقة البدّاوي التي تشتهر بوجود مسجد بركة السمك المقدّس.

موقع مسجد بركة السمك المقدّس:

يقع المسجد في منطقة البدّاوي في شمال لبنان. تحديداً بعد مئة متر من الطريق الدولي العام لمنطقة البدّاوي التي تبعد نحو ٥ كيلومترات عن طرابلس وهو يقابل بموقعه مبنى البلديّة. يمثّل المسجد أجمل معلم أثري وتراثي في المنطقة فيغني طابعها السياحي ويعزّزه.

تاريخ المسجد:

بني المسجد في عام ١٣٩٤ ميلادي أي يعادل عام ٧٩٥ هجري. تم بناء المسجد على يد نائب السلطنة المملوكية دمرداش المحمدي الناصري. تم بناء المسجد على دفعات حيث بدأ نائب السلطنة ببناء زاوية فقط وعي عبارة عن غرفة صغيرة يقوم فيها بالعبادات وأداء الصلاة. كانت الغرفة تقع فوق أحد قبور الأولياء الصالحين. من ثم تم توسيع المسجد في العهد العثماني ليصبح مسجداً كامل. وأخيراً في ستينات القرن الماضي تم توسيع المسجد مرّة ثانية ليصبح أكبر من قبل أي ما هو عليه في يومنا.

مسجد بركة السمك

يقع المسجد في منطقة البدّاوي في شمال لبنان.

هندسة المسجد وتقسيمه:

يتألّف المسجد من ثلاثة أقسام مختلفة تتمثّل بالصرح الداخلي الكبير لأداء الصلاة، الغرفة الصغير التي كانت زاوية لنائب السلطنة ومدخل المسجد ومكان الوضوء قبل الدخول إلى الصرح الكبير. هذا بالإضافة إلى مصلّى النساء الذي يقع في أعلى المسجد يتم الوصول إليه عن طريق درج موجود بالقرب من الغرفة الصغيرة. يقع المسجد بأقسامه الأربعة إلى جانب بركة السمك المقدّس الشهيرة لذلك لقّب المسجد على اسمها.

عند مدخل المسجد نجد باب خشبي تعلوه قنطرة من الرخام الأبيض مكتوب عليها بالخط العربي. بالقرب من البوابة نرى قسم الوضوء و مكان وضع الأحذية الذي عرف بالقسم الذي تم توسيعه في العهد العثماني.

إذا دخلنا من الباب الذي يحمل كتابة “مصلّى النساء” نجد باب صغير قديم إلى يمين الدرج، إنّه باب زاوية نائب السلطنة المحمدي. أخذت هذه الغرفة طابع العمارة المملوكية بحجارتها الرملية القديمة. يتوسّط جدار الغرفة نافذة محفورة داخل الجدار على شكل قنطرة. إنّ الغرفة مليئة بالمساند التي تشكّل جلسة عربية على أرض الغرفة.

بفضل التوسع الجديد الذي تم في ستينات القرن الماضي نلاحظ  أن الصرح الداخلي للصلاة يتميّز بالعمارة الجديدة ابتداءً من جدرانه المصنوعة من حجارة حديثة باللون البشري الخشبي. يزيّن الجدران درع على طول الصرح الداخلي مزيّن بالكتابات العربية باللون البني البرونزي. تتوسّط المسجد قبة خضراء كبيرة ملوّنة من أسفلها باللون الأصفر الذي يأتي من مصلّى النساء في الأعلى. في وسط هذا الصرح المليء بالخزائن البنية في زواياه نرى منبر حديث مميز الشكل. حيث يتألّف المنبر من درجين خشبيين عن يمين ويسار المنبر فيمكن للمؤذن أن يصعد من الجهتين. عند النظر إلى المسجد يمكننا أن نلاحظ أنّ الألوان الأكثر وجوداً هي اللون البني المزيّن باللون الأخضر. فنجد اللون الأخضر في القبة والزجاج الموجود في الأبواب والشبابيك التي تملأ المسجد.

مسجد بركة السمك

يتألّف المسجد من ثلاثة أقسام مختلفة تتمثّل بالصرح الداخلي الكبير لأداء الصلاة

بركة السمك المقدّس:

يعود تاريخ البركة إلى قبل بناء وإنشاء المسجد. تم إعطاء البركة هذا اللقب نسبة لوجود سمك مقدّس فيها  لا يمكن صيده كما يقول الرحالة الأوروبيون. تحتوي هذه البركة على ستة آلاف سمكة تنتمي إلى أكثر من ألفي صنف مميز. اعتبر الأوروبيون هذه البركة بالأسطورة بسبب تنوع الأسماك فيها معتبرين أن بعض الأنواع تعود  للأساطير القديمة.

خلال الحرب العالمية الأولى عند وصول الجيش البريطاني، تمركز الجنود الهنود عند البركة وقاموا بصيد السمك وأكله لأنهم لا يأكلون لحم البقر. منذ تلك الفترة وللحفاظ على البركة انتشرت إشاعة تقول أن كل من يصطاد ويأكل من أسماك البركة يمرض. الأمر الذي منع الناس من الاقتراب منها. لا يوجد مثل هذه البركة في العالم سوى بركة واحدة تقع في السلطة التركية العثمانية تحديداً في “أورڤا”

هندسة البركة:

إنّها بركة كبيرة دائرية الشكل تحيط  بها ساحة مسقوفة بالحجارة القديمة التاريخية التي ترتكز على أعمدة ضخمة تقع على مدار البركة من جميع الجوانب. في الساحة المسقوفة نجد مقاعد خشبية موزّعة في أرجائها مع وجود طاولات لخدمة الزائرين الذين يأتون للجلوس والاستمتاع بمنظر البركة. تتميّز عمارة البركة بالعمارة القديمة التاريخية التي تظهر من خلال الصخور الموجودة على أطراف البركة والأعمدة الأثرية الموجودة فيها.

منذ ستينات القرن الماضي كانت هذه البركة منتزه الشعب الطرابلسي الذي يقصدها للترفيه ومشاهدة الأسماك. منذ حوالي سنتين تم إعادة افتتاح البركة لجذب السكان إلى زيارتها والجلوس فيها وإعادة الحركة فيها.