مسجد طينال، مسجد ليس كباقي المساجد !

تتميّز طرابلس الفيحاء بمعالم أثرية كثيرة. إنّ عاصمة الشمال هي مدينة غنيّة بالأسواق القديمة  والأماكن التي تحيي أثر الحضارة القديمة في قلوبنا كل ما مررنا بها و قصدناها. لا تقتصر هذه المعالم على الأسواق و القلاع فقط بل تضمّ أيضاً الجوامع التي تعطي طرابلس طابع ديني وأثري فريد من نوعه في أيامنا هذه. يعتبر مسجد طينال من أهم الجوامع الأثرية وأقدمها في طرابلس.

تاريخ المسجد :

بني مسجد طينال على يد الأمير سيف الدّين طينال في عام ٧٣٦ هجري أي منذ حوالي ٧٠٠ عام. ومن هنا يأتي اسم المسجد. يعود النمط المعماري لمسجد طينال إلى الدولة المملوكية و يضاهي بهندسته عمارة المماليك في القاهرة و دمشق. حيث قام الأمير سيف الدين طينال بتحويل أنقاض كنيسة صليبيّة إلى مسجد. كانت الكنيسة مهدّمة خلال مرحلة فتح طرابلس على يد السلطان قلاوون.

موقع المسجد جغرافيّاً:

يقع مسجد طينال في منطقة باب الرمل في مدينة طرابلس شمال لبنان. يوجد مسجد طينال عند المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس و يتميّز بمساحته الكبيرة و باحاته الواسعة.

مسجد طينال

بني مسجد طينال على يد الأمير سيف الدّين طينال في عام ٧٣٦ هجري

هندسة وتقسيم مسجد طينال:

تبلغ مساحة مسجد طينال حوالي ٤٠٠٠ متر مربّع. يتألّف المسجد من قسمين ، خارجي و داخلي. يشكّل حرم الصلاة حوالي ١٠٠٠ متر مربّع من المساحة الكاملة للمسجد. تعود المساحة الباقية إلى الساحات والباحات الخضراء التي تعطي المسجد رونقاً خاصاً ينعش روح المصلّين و جميع الزائرين. توجد في الساحة الخارجية بركة للوضوء مثمّنة الأضلاع، تتوسّطها نافورة مياه مصنوعة من رخام أبيض مزخرف باللون الأسود.

هذا المسجد مصنوع من الحجر الرملي لذلك يشبه الحصن من الخارج. تتميّز هندسة المسجد من خلال القباب الخمسة ذات الأحجام المختلفة فيه. أربع قباب باللون الأخضر و الخامسة الأصغر حجماً تتميّز باللون الأبيض و الأخضر.

إنّ مئذنة مسجد طينال هي مئذنة فريدة من نوعها في العالم الإسلامي. إنها مئذنة مربّعة الشكل و مثمّنة الأضلاع في الأعلى. إنّها على شكل برج دفاعي بداخلها سلّمان حلزونيان يلتقيان حول بعضهما البعض. يُصعَد  إلى الأول من خارج  المسجد والثاني من داخل المسجد.

مسجد طينال

يقع مسجد طينال في منطقة باب الرمل في مدينة طرابلس شمال لبنان

تفاصيل أكثر عن المسجد:

إنّ الغرفة الملاصقة للمسجد الموجودة تحت المئذنة والتي تعتبر مقرّ سكن لإمام المسجد كانت قديماً سكناً للأمير طينال حيث بنى فيها قبراً و وصّى أن يدفن فيه. يوجد القبر في الحرم الداخلي للمسجد إلى يسار المحراب. لكن بسبب عزل السلطان قبل وفاته إلى مدينة صفد في فلسطين حيث توفي فيها فأصبحت غرفة المقام مكاناً لقراءة القرآن وحفظه في شهر رمضان الكريم.

تبرز النقوش الداخلية للمسجد روعته وجمال هندسته الفريدة من نوعها لأنه مليء بالزخارف  والآيات العديدة على جدرانه.

تفصل البوابة الكبيرة المصنوعة من الحجر و الرخام حرمي الصلاة الداخلي و الخارجي. إنّ الحرمين مغلقين من فوقهما وذلك بسبب عهد المماليك الذين فعلوا ذلك لحماية أنفسهم أثناء القتال. مما جعل البوابة الكبيرة تحافظ على شكلها ورونقها إلى يومنا هذا. عند الدخول إلى المسجد تلفت أعمدته الضخمة الأنظار. إنها أعمدة فينيقيّة مسحوبة من مصر مصنوعة من الجرانيت والمرمر. زيّن بعض الأعمدة بالتيجان الرومانية من أعلاها. لم تتوقّف الروائع المعمارية على الجدران و الأعمدة بل تخفى تحت سجّاد المسجد أيضاً أرضية من الرخام الملون المصنوع من المرمر.

يميّز الحرم الداخلي منبر رائع صنعه نجّار يدعى محمد الصفدي، يشكّل تحفة زخرفيّة أثرية يعود عمرها إلى أكثر من ٧٠٠ عام. صنع هذا المنبر من خشب الأرز وليس فيه أي مسمار أو أي مادّة لاصقة . يوجد إلى جانب المنبر المحراب و تغطّي هذا المنبر و المحراب القبة الصغيرة ذات اللون الأبيض و الأخضر.

مسجد طينال

تتميّز طرابلس الفيحاء بمعالم أثرية كثيرة.

إمام المسجد:

توّلى الشيّخ عبد القادر صالح العبدو الملقّب بالشيخ أبو إبراهيم إمامة المسجد على مدى ٣٥ عاماً.يعتبر الشيخ أبو إبراهيم من أعمدة المسجد وأساسياته . فقد قصد الكثير من المصلّين مسجد طينال للصّلاة خلف الشيخ الفضيل والاستماع إلى كلماته العذبة و خطاباته التي تروي روح المصلّين بالطمأنينة والسكون. بني هذا المسجد على التقوى و يهدف إلى إكمال رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام. لذلك قد سعى الشيخ أبو إبراهيم إلى التأكيد على هذه الرسالة من خلال رواية قصة من الصحابة كل يوم بعد صلاة العشاء. ترغّب هذه القصة الناس على سلك طريق الخير وإقامة الأعمال وربطها إلى المساجد.

مهما كتبنا وحاولنا وصف روعة وتفاصيل هذا المسجد لن نستطيع. يبقى اللسان و القلم عاجزين عن التعبير أمام هذا المسجد والروحانيات التي يُشعر بها المصلّين و المقبلين عليه عند الدخول من بابه الأثري.