خان الخيّاطين ، أقدم المعالم الأثرية وأغناها في طرابلس !
خان الخيّاطين
تتسّم طرابلس الفيحاء بالعديد من الصفات التي تجذب جميع الناس إلى زيارتها والتعرّف على مختلف ثرواتها وحضارتها القديمة. إنّ طرابلس هي مدينة متواضعة غنيّة بشعبها المضياف الذي يكرم جميع الزائرين والسائحين بدون استثناء. تتميّز طرابلس بوجود معالم تراثية وأماكن قديمة تعطي هذه المدينة طابع أثري فريد من نوعه. يعتبر خان الخياطين أحد أهم وأقدم المعالم الأثرية الموجودة في طرابلس عاصمة الشمال.
تاريخ خان الخياطين:
بني خان الخيّاطين على يد الأمير بدر الدين في القرن الرابع عشر ميلادي. يعود الخان إلى عهد المماليك. كان المماليك يسعون قديماً إلى جعل الخياطة مهنة وتجارة يستفاد منها وأرادوا تحويلها من موهبة إلى حرفة مهمة وتجارة رابحة. قرر المماليك ذلك لأنهم وجدوا أكثر من ٤٠٠٠ نول للحياكة باقية من عهد الصليبيين. لذلك عمد المماليك إلى إيجاد مكان مناسب ليمارس الخياطون مهنتهم باحتراف. كان هدف المماليك أيضاً المحافظة على مهنة الخياطة التي كانت تعرف وتشتهر بها طرابلس فنتج عن هذا الأمر بنا خان الخيّاطين الموجود إلى يومنا هذا. لقد تم ترميم خان الخياطين عن طريق جمعية أجنبية التي هدفت بدورها إلى تنشيط حركة البيع في الخان وتشجيع الناس على زيارته.

بني خان الخيّاطين على يد الأمير بدر الدين في القرن الرابع عشر ميلادي
موقع خان الخيّاطين:
يقع خان الخيّاطين في طرابلس شمال لبنان. تحديداً في منطقة باب الحديد. يشكّل الخان شارع كامل من منطقة باب الحديد. يتميّز هذا السوق أنه مقفل و مسقوف من الأعلى.
تقسيم خان الخياطين:
تبلغ مساحة خان الخياطين حوالي ١٢٠٠ متر مربّع. يتألّف خان الخياطين من قسمين. الطابق الأرضي والطابق العلوي. يشكّل الطابق الأرض مكان بيع وشراء الألبسة. أمّا بالنسبة للطابق العلوي فهو عبارة عن مجموع غرف للإقامة. يوجد في الطابق الأرضي نحو ٢٦ محلّاً تجاريّاً بينما يضمّ الطابق العلوي ٢٦ غرفة للإقامة والنوم. سمّي خان الخياطين باسم الخان لأنه يحتوي على تلك الغرف كالفنادق فتحوّل من سوق ألبسة إلى خان.
يزيّن مدخل الخان من الناحية الغربية تاج بيزنطي. يعرف خان الخياطين بالأقواس الحاجبة الموجودة فوق أبواب المحلّات التجارية. تغطّي هذه الأقواس أشعة الشمس الحارقة وتحمي الناس والمارّة منها خلال النهار. إنها قناطر بيضاء اللون تنتصب على أعمدة حجرية كبيرة.

تبلغ مساحة خان الخياطين حوالي ١٢٠٠ متر مربّع.
ألبسة خان الخيّاطين:
عرف خان الخيّاطين أيضاً باسم “خان الحرير” وهو خان متخصّص بخياطة وحياكة الملابس العربية والأزياء التقليدية الوطنية. نالت هذه الألبسة شهرة عالمية في العصور الوسطى. حيث كان الناس يقصدون الخان من المدن المجاورة لخياطة ألبسة مميزة لهم على يد الخياطين الطرابلسيين المبدعين.
لا تزال هذه الخياطة المتقنة تلفت نظر السائحين في كل مرّة يأتون بها لزيارة طرابلس والخان تحديداً. فلا يتردّد السائح من شراء هذه الألبسة الوطنية المتمثّلة بالطربوش، العباءة الرجالية، القفطان الذكوري، الشروال، القنباز والثوب النسائي المطّرز بأجمل الزخارف والخيوط.
لا يقتصر شراء الألبسة الوطنية على السوّاح فقط. بل تسعى الفرق الفنية العربية أن تشتري أزيائها الفريدة من نوعها من خان الخياطين. حيث تقوم هذه الفرق بإحياء حفلات واستعراضات باللباس المشغول يدويّاً على يد الطرابلسيين.

تبلغ مساحة خان الخياطين حوالي ١٢٠٠ متر مربّع.
وضع الخان الاقتصادي اليوم:
بالرغم من وجود عدد من السائحين الذين يساهمون في تنشيط حركة البيع في خان الخياطين إلّا أنّ الأزمة الاقتصادية جارت على هذا الخان وتسببت في حالة ركود لم يشهدها الخان من قبل. اضطّر الكثير من أصحاب المحلّات التجارية الموجودة في الخان إلى إغلاق محلّاتهم وبيعها بسبب قلّة البيع. بينما عمل قسم آخر إلى تغيير المهنة من حياكة الثياب إلى تجارة مربحة أكثر في يومنا هذا.
يبقى في خان الخياطين خياطون متمسكون بهذه المهنة الجميلة. يعتبر هؤلاء الأشخاص أنّ الخياطة هي إرث ورثوه عن آبائهم وأجدادهم ولا يمكنهم التخلّي عنها مهما حصل. لذلك أصبحوا على تصليح الثياب التي تحتاج أمور بسيطة مثل تقصير الثياب و تضييقها.
بسبب انتشار الثياب الجاهزة المعاصرة التي تناسب موضة السنة استغنى الناس عن اللباس الوطني وأصبح معظم الناس لا يقدّرون هذا النوع من الطراز الوطني. هذا بالإضافة إلى انتشار كورونا في الفترة الأخيرة الذي أجبر جميع المحلّات التجارية على الإقفال للحدّ من انتشار الفيروس. انعكس سلباً هذا الأمر على الخان وأصبح الخياطون ضحية مرة أخرى للوضع الاقتصادي الصعب.
لعب ارتفاع الدولار مقابل الليرة اللبنانية دور مهم في تقليل نسبة البيع والشراء في خان الخياطين. لم تعد الأقمشة رخيصة الثمن بل أصبحت كلفتها أضعاف ما كانت عليه من قبل. فأصبح الخياط يسعى لتأمين مبالغ باهظة للحصول على أقمشة جديدة لحياكة ثياب جديدة. حتى إذا تمكّن الخياطون من تأمين الأقمشة أصبحوا مجبورين على تسعير الثياب بأسعار خيالية ليتمكنوا من ربح القليل من المال.